الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الخميس، 23 سبتمبر 2010

تكست - العدد السادس:نصر حامد أبو زيد -حياة مكشوفة وموت غامض


نصر حامد أبو زيد

حياة مكشوفة وموت غامض

د .عقيل عبد الحسين

في إطار الثنائيات الكثيرة التي يقوم عليها العالم وتقدم من خلالها المعاني والقيم تأتي ثنائية الحياة المكشوفة والموت الغامض التي تنتهي بها سيرة رجل عرف بالحيوية الفكرية وبإثارة الجدل والخلاف، رجل اسمه نصر حامد أبو زيد تعرض إلى التكفير والى حكم بالتفريق بينه وبين زوجته والفت كتب في الرد على أرائه وكتبه واختار أن يعيش بسبب ذلك كله في هولندا.. وآخر ما تعرض له كان منعه من زيارة الكويت لإلقاء مجموعة من المحاضرات بدعوة من مؤسسة كويتية. وما أثاره ذلك من جدل داخل الكويت بدأ بين المثقفين والإسلاميين وكاد أن ينتهي إلى البرلمان. وهو أمر لم يكرهه أبو زيد بل رأى فيه عودة إلى الحياة التي يحبها. الحياة الصاخبة التي يحركها البوح المستمر بالرأي والموقف في اشد القضايا خطورة مثل قضايا الخطاب الإسلامي وقضية النص القرآني والشخصيات الإسلامية..

1

يرى نصر حامد أن أكثر التحديات التي تواجه كل الخطابات هو تحدي دخول المستقبل وتفادي لحظة الخروج من التاريخ. والخطاب ينمو ويزدهر ويتطور ويتأثر بالخطابات الأخرى السائدة على اختلافاتها وخاصة تلك التي تصل إلى حد المغايرة فلا يوجد خطاب تنويري حديث إلا "وتأثرت أدواته المنهجية كما تأثر جهازه المفاهيمي ومفاهيمه التحليلية بأدوات واليات خصمه"(1).


يتبنى حامد أبو زيد الخطاب التنويري ويراه خطابا قادرا على طرح المشكلات الملحة التي تواجه المجتمعات العربية والتصدي لها بالتحليل وتقديم الحلول لها فهو خطاب مواجهة وخطاب استفزاز وخطاب كشف وتقويم وهو خطاب عصري ينصهر في العصر الذي نعيش فيه ويريد مواكبته وهو خطاب مستقبلي خلافا للخطاب المغاير أو النقيض الذي يرى في الإسلام حلا ويرى العودة إلى الماضي والى العصور الأولى الذهبية منجاة وملاذا في مواجهة الآخر وكفره وماديته.


ومن الواضح ان الخطابين أو الطريقتين اللتين يتبناهما التنويريون ونصر حامد منهم والإسلاميون عامة مختلفتان إلى حد التناقض ومن الطبيعي أن يمارس الخطاب الثاني اشد أنواع القمع مع الخطاب الذي لا يتماهى مع سلطته ومنطلقاتها الايديوليجية. القمع الذي تمثل بالوقوف ضد نصر حامد ابو زيد ومحاكمته وتفريقه عن زوجته في قضية حسبة مشهورة واضطراره إلى اللجوء إلى هولندا إبقاء على حياته.



إن وعي نصر حامد أبو زيد بتأثير اختلاف خطاب الإسلاميين، وهو وعي متأت من تجارب سابقة لكتاب آخرين كعلي عبد الرازق وطه حسين، هو الذي قاده إلى تعميق اثر الخطاب الإسلامي وقمعه للوصول إلى الحياة الواضحة التي يعرفها الجميع ويعرف صاحبها سواء كانوا من المثقفين التنويريين أم من الإسلاميين أم من الناس العاديين.. فالجميع يعرف قصة أبو زيد الشخصية ويلم بأطراف من طروحاته العلمية الخاصة بتاريخية النص القرآني وبإمكانية الاستفادة من تأويله الذي يتجدد ويصبح وسيلة من وسائل التطوير والتحديث والمعاصرة خلافا لما يعتقده الإسلاميون ويدافعون عنه من قدسية النص القرآني وتعاليه عن التأويل ليكون ذلك داعيا للرجوع إلى الماضي وللعيش في عصر السلف وتكفير الآخرين ومحاربتهم وإجبارهم على أن يدخلوا المجتمع الإسلامي متحررين من جاهليتهم.



يعرف معظم الناس تفاصيل حياة نصر حامد أبي زيد الشخصية وبعض طروحاته العلمية شانه شان أي نجم تلفزيوني تستضيفه القنوات التلفزيونية ويتابعه قسم من الناس، وكل ذلك يعده نصر حامد انتصارا له حول انتصار خصومه إلى انتصار أشبه بالهزيمة "فالضحية التي تستسلم وتتراجع تبدو أقوى منهم". وهي اقوى منهم بوعيها بان جهرها بآرائها يجعلها أكثر انتشارا وتأثيرا ومقروئية ومشاهدة. ولذا يتمسك نصر بآرائه ولا يتراجع عنها رغم محاولات خصومه في ثنيه عنها كما فعل محمد عمارة المفكر الإسلامي المحسوب على المعتدلين وكان يحاول أن يقنعه بضرورة العودة عن آرائه الجريئة والتبرؤ منها ليضمن له العودة إلى حياته السابقة "هذا هو التفسير المعقول لحرص الإسلاميين على تفاوت اتجاهاتهم على أن ينالوا انتصارا بتراجعي عن اجتهاداتي"(2)

2

في كتاب نصر حامد ابو زيد هكذا تكلم ابن عربي يقول: "إن من الصعب على المسلم أن يفصل في خبرته الدينية بين التجربة الروحية وبين الأسس العقلانية التي تتبلور في وعيه تدريجيا عن عقيدته ودينه"(3). فالأسس العقلانية التي جعلت نصر حامد أبو زيد ما هو عليه وحددت ملامح حياته الصاخبة المكشوفة للجميع وجعلته نجما ومثقفا ومفكرا معروفا لا يمكن أن تلتقي مع التجربة الروحية التي تأتي من المجتمع الذي نشأ فيه ومن نسيج الحياة الدينية اليومية في القرية المصرية ومن الأسرة الريفية المتواضعة ومن كونه واحدا من الناس الذين اختلف عنهم وتميز وبرز بأسس عقلانية قد اختلفوا معه فيها ورفضوه من اجلها وعرفوه بها.. وأية خبرة دينية!! إنها الخبرة الآتية من قصص الأنبياء وكرامات الأولياء وأحاديث الصالحين من أسلاف القرية والقرى المجاورة من حفظ القران والتردد على المساجد لإقامة الصلاة ومن حلقات الذكر بعد صلاة العشاء كل يوم خميس ليلة الجمعة وهي التي يطلق عليها الحضرات حيث ينتظم الكبار في شكل دائرة ويتحركون حركات موقعة ذات اليمين وذات الشمال مع ترديد الأناشيد بقيادة شيخ الحضرة. لقد ظلت تلك الخبرة كامنة وموجهة له رغم ان الحياة أخذته مآخذ شتى وسلكت به طرقا عديدة راسمة له نهاية تشبه نهاية عم حسن المتصوف وصديق حامد والده الذي قرر الإفصاح والبوح، تماما كما فعل نصر بعد ذلك اللقاء ظنا منه أن ذلك البوح سيقوده إلى النجاح والى المجد العلمي والى الشهرة.. قال العم حسن لنصر حامد أبو زيد انه سر لا استطيع احتماله أكثر من ذلك اعلم أنني سأعاقب لإفشاء السر لكنني لا احتمل الكتمان... كانت دموع صامتة قد بدأت تسيل من عينيه... ثم استجمع قوته وانفجر قائلا: يا نصر يا ولدي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. وأجهش في بكاء... لكنه لم يتوقف عن الحكي ونشيجه يتصاعد رايته والله العظيم. فقلت له احبك يا رسول الله. فرد علي: وانأ احبك يا حسن. لم ادر ما أقول سوى أن أتمتم ببعض عبارات لا معنى . كان الأمر بالنسبة لي غير مفهوم آنذاك.. بدأ يهدأ تدريجيا بعد أن انزاح السر الضاغط السر الذي يمثل إفشاؤه خطرا يترتب عليه العقاب"(4).



يترتب على البوح العقاب ذلك ما ترسب في نفس نصر حامد أبو زيد وما لم يتفق أبدا مع تجربته العقلية بوصفه تجربة روحية عميقة كامنة تهدده بالخطر وتهدده بالنهاية نهاية غامضة تشبه نهاية عم حسن الذي باع قطعة الأرض التي يملك رغم معارضة أبنائه وانصرف إلى الديار المقدسة. فقد انتهى نصر حامد غريبا بعد إصابته بفيروس غريب لم يعرفه الأطباء ولم يحددوا له علاجا افقده الذاكرة ثم الوعي، الذاكرة التي كانت تختزن طروحاته المتعلقة بالخطاب الإسلامي والإسلام السياسي ووعيه الذي كان يحدد خطابه ويوجهه مقاوما للقمع الذي كان يمارسه الخطاب الإسلامي مستفيدا من ذلك القمع وتلك المواجهة في رسم ملامح حياة واضحة مكشوفة قائمة على البوح بما يرى ويعتنق من أفكار تثير الآخرين وتمس آراءهم ومواقفهم الراسخة التي تخدم السلطة وتعمق حالة التأخر الذي يعيشه المجتمع العربي والذي تنتفع به النخب المتسلطة والحاكمة والمستفيدة من دوام الحال على ما هو عليه.

3

سيجر البوح إلى نهاية حتمية لنصر هي الموت بيد الإسلاميين أو صمتا بعيدا عن بلده الصمت الذي رأى في حادثة منعه من دخول الكويت كسرا له. وهو عقاب رمزي لم يتوقع احد أن يصل إلى درجة عالية من الرمزية تمثل بهذا الفيروس الغريب الذي افقده الوعي والذاكرة وجعل خصومه يشمتون به ويرونه عقوبة إلهية نزلت به جزاء على أفكاره وأرائه. فيما هي نهاية ممكنة لذلك التناقض الحاد بين الخبرة العقلية ممثلة باتجاهه نحو البوح، والخبرة الروحية القارة في داخله والتي تجعله يتوقع دائما العقاب الذي جاء ليضع نهاية لسيرة أبو زيد السيرة التي قامت على حياة مكشوفة وموت غامض. وهي سيرة تنسجم بشدة مع وعي مجتمعه، المجتمع الذي يؤمن بالغيبيات وبالعقاب لكل من يتجرأ على الدين. سيرة تنسجم مع كون نصر حامد جزءا من هذا المجتمع وممارساته الدينية. كما انها في النهاية سيرة ذات بعد ثقافي تتشابه مع سير الكثير من الخارجين على إجماع مجتمعاتهم بأفكارهم، الداعين إلى التغيير الذين ينتهون إلى العودة إلى الإجماع أو إلى الصمت والموت غموضا.

لكنني أؤكد انها سيرة أكثر رمزية واشد تعبيرا من غيرها من السير وانها تتناسب مع إصرار نصر حامد أبو زيد وعزمه على الاستمرار في البوح.

الهوامش

1. الخطاب والتاويل، د.نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط1/200، 9.

2. السابق،12.

3. هكذا تكلم ابن عربي، د.نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط2/2004، 7.

4. السابق،

د. أكاديمي عراقي



العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق