الصفحـــــــة الرئيـســـــــــة

الخميس، 23 سبتمبر 2010

تكست - العدد السادس: ما بعد ماركس ؟ عرض لكتاب ما بعد ماركس


ما بعد ماركس ؟

(هل هناك نظرية مكتملة عند ماركس عن الدولة ؟ أعلم بيقين تام أن مجرد التفكير في طرح السؤال عن وجود نظرية محددة عن الدولة (لدى ماركس, أو انجلز,أو لينين ) سيكون له وقع جارح , بل ربما يؤخذ بمنزلة الهرطقة .)

بهذه الكلمات يفتتح الكتاب الدكتور فالح عبد الجبار كتابه مابعد ماركس مبيناً جسامة التصدي لمثل هذا الطرح ليخلص في نهاية القسم الأول المسمى ( في النظرية ) إلى القول :-

(لم يتسن الوقت لماركس كي يضع مؤلفه الخاص في الدولة وبقي مشروعه ناقصاً, ولم يخلف لنا غير نثار من الملاحظات, العميقة حيناً, الهجائية حيناً, عن الدولة كما تطورت في رقعة محددة من العالم وفي حقبة محددة. وأن هذه الملاحظات تطورت على عدة مراحل, وتبلورت في ثلاثة حقول أساسية. حاول إنجلز سد الفراغ في الحقل الثالث (التاريخي ) , أما لينين فتناول الحقل الأول .

بتعبير آخر, لا توجد نظرية ماركسية مكتوبة عن الدولة. وإن كان بالوسع الخروج قليلا عن سياقات البحث , فإني سعيد بهذه النتيجة فذلك يتيح للباحثين الماركسيين التحرر من ثقالة التلخيصات التي صدعت رؤوسنا (وغيرنا ) نصف قرن أو يزيد , والالتفات إلى مبحث أسس نشوء وآليات عمل الدولة , ووظائفها , وبنيتها المؤسساتية , في رقعتنا , والاطلاع على أنماط تطورها في شتى البقاع . )

جاء الكتاب في خمسة أقسام تصدى فيها عبر القسم الأول (ماركس والدولة النظرية الناقصة ) إلى الحدود المعينة التي تناول فيها ماركس الدولة. وفي تأملات في الماركسية من القسم الأول أيضا يقول الكاتب :-

(يقول ماركس في مكان ما , إن طرح السؤال الصحيح هو نصف الجواب . وفي اعتقادي أن السؤال الأهم , هو الآتي : ما هي النظرية الماركسية ؟ قد يبدو السؤال نافلاً , لكنه برأيي جوهري .

هناك إجابة جاهزة , جامعة , مانعة , تقول إن الماركسية نظرية ثورية تتألف من ثلاثة أقسام هي : المادية التاريخية , والمادية الديالكيتية , والاشتراكية العلمية . الطبيعة والمجتمع والفكر نفسه. )

وفي القسم الثاني : نهاية ثورة أكتوبر

تطرق الكتاب إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. والتجربة- الاشتراكية , وهنا يقترح الكاتب تحليلاً بنيوياً . تاريخياً لبنية الرأسمالية وتطورها في ضوء فهم ماركس لهذه البنية . ويقول :-

( إن دراسة تجربة الانهيار المدوي , والمفجع, لأول تجربة اشتراكية مستقرة نسبياً , يمكن أن تتخذ أشكالا عديدة : دراسة العوامل الظرفية التي رافقت محاولات التجديد وأدت إلى الانهيار أو دراسة العوامل البنيوية التاريخية للتجربة ككل من منظور ماركس نفسه . )

وفي القسم الثالث(العالم - العولمة) وفي إطلالة على مفهوم العولمة.يقول الكاتب :-

(أتناول في هذا العرض الوصفي عدداً من الثيمات المترابطة , التي تتصل بمفهوم العولمة :globalization , آملاً أن يكون عرض هذا الترابط جلياً .

تتعلق الثيمة الأولى بماهية العولمة في الفكر الليبرالي الجديد , أما الثيمة الثانية فتتصل بمفهوم العولمة في نظر اليسار الراديكالي. وهذا الأخير لا يشكل كتلة صوانية بلا تمايز كما سنرى . )

وفي القسم الرابع (التوتاليتارية / الديمقراطية / القومية والدين ) يقدم الكاتب عرضاً لمفاهيم فلسفية مختلفة ويقول:-

(وضع فريدريش في كتابه the nature of totalitarianism (طبيعة التوتاليتارية ) خمسة عناقيد من السمات الأساسية المحددة لجوهر النموذج التوتاليتاري الجديد . وتستحق هذه العناقيد أن تورد بتمامها :

"العوامل أو الملامح الأساسية التي تتشارك فيها المجتمعات التوتاليتارية في عصرنا هي خمسة , أو يمكن جمعها في خمسة عناقيد من السمات المميزة الوثيقة الصلة بعضها بالآخر:

1- إيديولوجيا رسمية مركبة من مجموع رسمي من المذاهب التي تغطي ملامح وجود الإنسان كافة حيث يفترض في كل من يعيش في هذا المجتمع الالتزام بها بصورة سلبية على الأقل , وتتركز هذه الأيديولوجيا بصورة واضحة على مزاعم قيام مجتمع إنساني مثالي كامل .

2- حزب جماهيري واحد مؤلف من نسبة ضئيلة نسبياً من مجموع السكان (قد تصل إلى 10% ) من الرجال والنساء الجامحين والمتفانين من دون تردد , في سبيل الأيديولوجيا والمستعدين للمساعدة على كل وجه في سبيل ترويجها والقبول العام بها , مع كون هذا الحزب منظماً على نحو أوليغاركي , تراتبي صارم , وخاضع عادة لزعيم وحيد , وإما متعالٍ أو مختلط تماماً بالتنظيم البيروقراطي الحكومي .

3- احتكار تكنولوجي شبه كامل للسيطرة على وسائل العنف المسلح كافة (في أيدي الحزب وكوادره كالبيروقراطية والقوات المسلحة )

4- احتكار شبه كامل مشروط تكنولوجياً للسيطرة على وسائل الأعلام الجماعية الفعالة كالصحافة , والإذاعة , والسينما , وما إلى ذلك ( في الأيدي نفسها )

5- نظام بوليس إرهابي يعتمد في فعاليته على النقاط 3و4, ويتوجه بصورة مميزة لا نحو "أعداء" النظام الواضحين , بل ضد طبقات يتم اختيارها بصورة عشوائية من بين أفراد الشعب , مع تمحور الاختيار حول متطلبات بقاء النظام , والتضمينات الأيديولوجية التي تستغل علم النفس بصورة منظمة . )

وفي القسم الخامس ملحق تحقيقات صحفية تطرق الكاتب إلى عدد من المقالات التي تعالج قضايا مثل الثورة الفرنسية والثورة المشروطة أو الثورة الدستورية (1906- 2006) التي هزت العالم الإسلامي من سبات الفكر قروناً ويقول الكاتب في هذا الصدد:-

( ولو بحث المؤرخ عن مؤسس فكرة المشروطة , وهو (محمد النائيني) لما وجد اسمه في الذاكرة الرسمية .

ولوجد عوضاً عن ذلك طوابع بريدية تحمل صورة أكبر خصوم ثورة المشروطة , الذي انتهى إلى المشنقة لشدة دفاعه عن الشاه المستبد , وهو الشيخ فضل الله ألنوري.


هذا الالتباس التاريخي ليس حصراً على إيران , بل يكاد يعم العالم العربي والإسلامي , الكاره لتاريخه بالذات , إلا إذا كان تاريخاً متخيلاً ملمعاً بالرياء.)

الكتاب / ما بعد ماركس ؟

المؤلف / د. فالح عبد الجبار

الناشر / دار الفارابي . بيروت – لبنان

الطبعة الأولى 2010

عدد الصفحات /350



العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس

تكست - العدد السادس: المقاربة الادراكية والادب - كتب د. عادل الثامري


المقاربة الادراكية والادب

*د. عادل الثامري

لقد تطورت مجموعة من المقاربات ضمن الدراسات الأدبية و علم الإدراك تتابع الاهتمامات في اللغة و الأفعال الذهنية و المهارات اللغوية و هذه المقاربات مختلفة بيد أنها جميعا تقارب ظواهر القراءة و الارتباط الخيالي و التشكيل النصي. و حتى وقت قريب جدا جذبت المسافة الفاصلة بينها اهتماما اكبر مما جذبته أكثر مسألة تلاقيها. و مع ذلك واصل عدد من المنظرين الأدبيين و النقاد إنتاج أعمال تتشكل منهجيتها و ابدالاتها عبر حوار مع حقل او اكثر ضمن علوم الادراك مثل الذكاء الاصطناعي و علم النفس الادراكي و لسانيات ما بعد جومسكي و فلسفة الذهن و علم الاعصاب و علم الاحياء التطوري. فقد قام رويفن تسور في كتابه الموسوم (نحو نظرية للشعرية الادراكية) الصادر عام 1992 بتطوير اساسيات الشعرية الادراكية التي عمل عليها منذ الثمانينيات وبرهن ناقد التحليل النفسي نورمان هولاند على فائدة علم الاعصاب في الوصول الى علم نفس اقوى مما كان سائدا منبثقا عن علم الاعصاب الادراكي و ذلك عام 1988 كما عمل مارك تيرنر على مشروع (البلاغة الادراكية) عام 1991 و قدم الين سبولسكي نظرية (اللااستقرارية الادراكية) التي تشتغل على التأويل الادبي وذلك عام 1993. هؤلاء و غيرهم من النقاد ، من ذوي الذهنيات المشابهة، استجابوا للمحددات التي وضعتها مفاهيم مابعد البنيوية للمعنى و التاويل و ذلك من خلال مساءلة النماذج الحاكمة في الساحة، اما لازاحتها او اعادة تشغيلها او اكمالها او اعادة هيكلتها اساسا



.


ان عدم الرضا بما قدمته ما بعد البنيوية من مواقف نسبية و مناهضة لـلانسانية قد دفع بهؤلاء النقاد الى بذل الجهود من اجل صياغة ما يدعى بتداخل الحقول الجديد (interdisciplinarity). لقد جمعت الان المحاولات المتناثرة لصياغة روابط بين الدراسات الادبية و علم الادراك وذلك من خلال جهود منظمة في اطار حقل جديد يعرف بأنه (النقد الادبي الادراكي).


لقد كان علماء الادراك و منذ زمن يقترضون من الدراسات الادبية ،و عادة ما يتبنون، مصطلحات من المجاز و النقد الادبي، و كانت و ما زالت الاستعارة ذات اهمية في البحث و مفهوم مركزي لاستيعاب اشتغالات الذهن ضمن الحقول الادراكية. لقد طورت اللسانيات الادراكية انموذجا لدراسة انتاج الاستعارة و فهمها يتمحور حول قابليات الذهن لصنع المعنى. اما علماء الحاسوب و فلاسفة الذهن قد استعملوا و بصورة واسعة المفاهيم الادبية لتأطير افكارهم مثل مصطلحات (الكتابات و القصص و تيار الوعي و المسودات المتعددة وماكنة جويس ). و قد قام علماء نفس الادراك ببناء مشاريع بحثية حول دراسة موضوعات مثل استجابة القارئ للقص السردي و دور المشيرات في السرد و النقل الشفاهي للاشكال الشعرية



.


قاد العمل انطلاقا من فرضيات ذات صلة كبيرة باللسانيات الادراكية الى البحث عن برهان تجريبي لشعرية الذهن حيث يرى ان المجاز التقليدى كالاستعارة و الكناية و المفارقة تعكس اشتغالات العمليات الادراكية الاساسية . لقد اصبحت قدرة الذهن على التفكير المجازي و التمثيل التخييلي من صلب اهتمام كل من علماء الإدراك و دارسي الادب.


ان انبثاق نظرية ادراكية للادب والنقد لا يتطلب العمل في موضوعات السرد و اللغة المجازية و استجابة القارئ بصورة تزامنية (سينكرونية) فقط بل لابد من اعادة قراءة تاريخ الادب و الثقافة من منظور ادراكي. لقد تقدمت النظريات المعاصرة للادب و الثقافة في ازالة الغموض عن مفاهيم لاصناف ثابتة عبر الزمن مثل الذات و الهوية و الاخلاق وقدمت كيانات منبنية ثقافيا و تاريخيا و برهنت هذه النظريات على ان الطبيعي غالبا ما يستدعي لعب دور مجازي من خلال توفير دعم مفاهيمي لاشكال معينة من الهيمنة وهو بذلك يمنح شرعية واضحة لا لبس فيها للممارسات التمييزية على اساس العرق و النوع الاجتماعي و الطبقة. حتى اصبح توثيق ومساءلة مجاز الظلم مهمة مركزية للدراسات الأدبية و الثقافية .

يعتمد انشاء الثقافة ،من قبل البشر، على مركب من اجسادهم و منظوماتهم العصبية و الحسية و هذه البنى تمتلك تاريخا لا يماثل و لا ينفصل عن الثقافة التي تنشؤها . و تحاول المقاربات المعاصرة ان تتصدى لتحدي اعادة افهمة الاهمية الثقافية للجانب الطبيعي و بجهاز مصطلحي معاصر.و هنا لم يعد ممكنا ان ينظر الى الطبيعي بوصفه معياريا وعابرا للزمن ،ذلك ان اللسانيات وعلم الاناسة و علم الاعصاب تؤشر مفهوما جديدا للطبيعة و هو مفهوم تاريخي ذو علاقة مركبة و متعددة الوجوه بالجانب الثقافي. في هذا الصدد، ظهرت دراسات تبحث و بطرق مختلفة في مقاربة مفهوم الصيرورة التاريخية المتجددة و تحاول هذه الدراسات ارخنة الذاتية الادبية من خلال مراجعات تمتد من مدرك التاريخ و تتضمن تاريخ ارتقائنا :اي الاف السنين التي تطورت خلالها عواطفنا الانسانية المميزة وكذلك تطور الدافع للفعالية الادبية بين الناس. وتنحى مثل هذه الدراسات الى مستوى الانواع و هو مستوى تحليلي كان مهملا قبل ذلك في النظرية الادبية الحديثة بالرغم ان مباحث مجاورة للنظرية الادبية قد افادت منه مثل اللسانيات و الاناسة و علم النفس و فلسفة الذهن.


و من هذ الدراسات الملهمة ما قدم في مجال دراسة الاستعارة و الترميز و اقتراح ما يسمى بالدمج المفاهيمي و هو عملية ذهنية يمكن ان نجد لها تجسيدا في الاستعارة و رغم ان هذا الامر قد بقي مهملا منذ بدأت الدراسات المجازية و لكنه كان حاضرا في تاريخ ارتقائنا. فان كان الذهن الادبي هو الذهن اليومي كما يقول مارك تيرنر فأن اسس التاريخ الادبي تمتد الي الماضي البشري السحيق و ان مصطلح الادبي ينطبق على الصيرورات اللاادراكية الاساسية التي تميز الحياة الادراكية بقدر ما تنطبق على الاشكال الشفاهية و الموروث. و يذهب بول هيرنادي الى ان مدرك التاريخ الادبي يشتمل على ” عصور ما قبل التاريخ” و ينظر في الدور الذي يلعبه السلوك الادبي في تسهيل بقاء الانسان في بيئة اجتماعية معقدة. و يقترح هيرنادي سلسلة وظائف عملية لـ(صنع العالم) التخييلي وهذه الوظائف ساعدت في توسيع الوعي البشري و كذلك تكامل المعتقدات و المشاعر و الرغبات بتفضيل القابليات العقلية الجديدة من خلال عملية من الاختيار الطبيعي تتناغم مع الابتكار الثقافي.

ان المرونة الادراكية ذات اهمية كبيرة و جوهرية لفهم الاهمية التطورية للبنى الذهنية العامة التي تجعل من التغيير الثقافي و الابتكار التاريخي الادبي حتميا. و بخلاف ما يراه تيرنر يرى الين سبولسكي ان النظرية الادبية الادراكية توفر تصحيحا لنظريات مابعد البنيوية للمعنى فهي توفر اساسا تطوريا يجد مصداقه في علم الاعصاب و للادعاءات التفكيكية بخصوص لااستقرارية المعنى.


يتوفر النقد الادبي الادراكي على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التأويلية، و من خلال تحديد نماذج العمليات العقلية التي تؤثر على الكتاب الذين يعملون في الحقب التاريخية الماضية، يمكن للنقاد ان يجروا ما يمكن ان يسمى " مفاوضة "بين هذه النماذج التاريخية والابدالات الحديثة لعلم الاعصاب الادراكي. و هنا يمكن لبعض الفرضيات حول العمليات العقلية التي تتراوح بين التكامل المفاهيمي وتحديد الحقول ، ان ترتبط بالطرائق النصية و التاريخية للوصول الى منظورات جديدة، و من خلال وضع الابداع الفني و الفكري في سياق تاريخ البشرية و كذلك ضمن تاريخ فرد او ثقافة معينة فان قراءة معمقة للاعمال الثقافية لا يمكن ان تساعد فقط في تأويل نصوص ادبية محددة بل يمكن ايضا ان تساعد في تقديم فهم اكثر تفصيلا للقوى التي تسمح بالتغير الثقافي او تحدده. أن الثورة الادراكية قد بدأت مؤخرا في الحقول الثقافية و الادبية و بالتاكيد سنتوصل في القابل من السنوات الى انجازات في هذا المجال.


ان مثل هذه المقاربة الادراكية التي تشتغل على الحقول الثقافية والابنية الادبية تمتلك امكانية كبرى في تحقيق انجازات لامعة قد تصبح مجموعة من التصورات التي عادة ماكانت تؤخذ على انها حقائق لايمكن المساس بجوهرها .


*أكاديمي عراقي


العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس

تكست - العدد السادس: تناسل الرؤى و تداخل الرموز عرض ديوان فليحة حسن - كتب ظاهر حبيب الكلابي


تناسل الرؤى وتداخل الرموز

قراءة في مجموعة قصائد أمي

*ظاهر حبيب الكلابي

للشاعرة فليحة حسن – الصادرة عن دار الينابيع – سوريا سنة2010

لابد للدارس الذي يقوم بدراسة ونقد نصوص فليحة حسن الشعرية أن يستحضر حقيقة اشتغال الشاعرة في أجناس السرد من قصة ورواية ومسرح

نظراً لما يلمسهُ الدارس من تسرب عناصر السرد الى مجمل قصائد المجموعة

من خلال الوصف والتداعي والحوار والحوار الجواني مع الذات ما شكله عامل تداخل الأجناس الذي عملت بتوظيفه الشاعرة بمهارة أظهرت عمق الرؤية لديها في اقتناص الومضة الشاعرة وتوظيف الحكاية ذات المغزى الفلسفي والشعر العمودي والأبوذية الشعبية التي وظفت جميعها لبناء هيكلية شعرية مركبة تتعدد فيها زوايا النظر لتقترب جميعها من مسك خيط الأمل المفقود الذي تبحث عنه الشاعرة –من خلال رمز الأم –مريم-الحبيب- الجنوب الموت عندما يقع، قصائد أمي مجموعة شعرية ناضجة دلالةً تأخذ من الصوفية زهدهم –وأحاسيس الشعراء عشقهم وهي قصائد تحمل مواقف فلسفية ذات رؤية متجددة وعوالم مركبة تتناسل عبر اختصار لغوي شديد وتركيز صوري حاشد وتداخل نفسي رمزي تاريخي لا يترك للترهل مجالاً للتوغل الى النص

(1)

إن الشاعرة ترصد حالات التلاشي وتقطّع أواصر اللقاء ما بينِ الأحبة في عالم الكون والفساد في عالم وحدةٍ وغربة يحمل صوتاً واحدا مهيمناً على مسرح المجموعة (قصائد أمي) ألا وهو صوت الشاعرة الراوية حيناً والمتصوفة

حينا أخر والمتأملة ونلمح كذلك هيمنة صوت الشاعرة على كل الأصوات –

صوت الأم وصوت الأخر وكأنّ السجال الشعري هو سجال مع الذات وهو

حوار جواني انفعالي متأزم عانته الشاعرة واعتصرته وجوداً لغوياً شاعراً بحيث بدت الأصوات الشعرية الأخرى –حيوات برزخية أنأت به الشاعرة بعيداً وقذفتها في مجاهيل البرزخ اللغوي وفضاء المجهول لتتمكن من إملاء رؤاها الشعرية وتمددها الذاتي واغترابها الوجودي في عالم تنتمي ولا تنتمي إليه على السواء

(2)

في مقطوعاتها القصيرة –تكوينات-

أترانا نعود إليكِ

وأنت الدليل

لصبحٍ أفل؟

ص9

وفي مقطعٍ أخر

كيف يقولون لا فرق

......

نحن هبطنا

وأنتِ صعدتِ

فأنا يكون اللقاء

ولا نحنُ/نحنُ

ولا أنتِ/أنتِ

ص10

لا تدعينا نمرّ بتجربة للفراق

قبل أن نرتوي من بحار العناق؟

ص13

الهواء عدويّ ...إذ لا تشاطرينني إياه

ص14

أساء لي القدر برحيلك أحسنتِ إليَّ بذكراكِ

ص15

لا ريب إن تُكرار محنة الفراق بين الشاعرة وبين من تحب أضاف تلاوينٍ من صور اليأس تتجدد مع تلافيف الصور التي عملت الشاعرة على نقلها من المجرد الى المحسوس

(3)

إن الصورة الشعرية في قصائد أمي للشاعرة فليحة حسن كانت على مستوى الرصد الانفعالي الذي يُديم ويَحرص على أقامة علاقة التفاعل المتناغم بين عالم الشاعرة الذاتي والوجداني وبين القضّية التي كانت عند فليحة حسن

وهي الحبل السري الذي يجمع المتناقضات ويؤلف بين المختلفات

حتى جاءت الصورة الشعرية عندها لتؤكد توظيف التشخيص والتجسيم في منجزها الشعري وإبرازه بقوة من خلال إظهار علاقة بصرية حسية بين الصورة والصوت ليتداعى لنا غلبة الإيقاع الداخلي على الإيقاع الخارجي نلمح ذلك في قولها: "لو فتحت أبواب سمائي اليوم

ودنى وهج دعائي من أذن الغيب

لقلتُ رغم الموت المربوط بكاحلها الآن

يا رب(أحفظ أمي)"

ص 15

"لخمسٍ توضأتُ باسمكِ

لليل يُحيط بنبضي

وظلم طوته إلي العيون

دربٌ يتيه إذا ما ابتعدت"

ص16

"فسلام عليها يوم زرعت

ويومَ قطفت

ويومَ تُردُ إليّ ؟ "

ص18

(4)

يظهر من خلال هذه الصورة الشعرية إن هناك علاقة بين الانفعال والصورة الحسية حيث كانت الشاعرة فليحة حسن على مستوى من الهدوء الانفعالي

من خلال منجزها الإبداعي (قصائد أمي) حيث شكلت الصورة الحسية في هذه

المجموعة ودفعت بنا الى القراءة الاسترجاعية من خلال تيار الوعي والتداعي والمسَكْ بأبرز المدركات الحسية التي يتوفر ويزخر بها النص الشعري

لنمسك بتلابيب التأويلات المتعددة من خلال آلية التداعي ....وتعدد القراءات

ما بين الانزياح السكوني والانزياح ألابتكاري وفيه إن الدلالة تتنازل عن سياقاتها السابقة الى دلالة جديدة تتسم بالاكتشافات والنشوة نتلمس قولها:

"أرضعتك عرق القضبان

فلا تفطمك صرخة أقفالها؟ "

ص46

"نظل عراة-كثوب غسيلٍ

نتنفس غربتنا ونجف"

ص30

"ما أطعمتني سماؤكم عنباً

لم تبعني قبلةً لصلاتها

تَعبت يدايّ من هز جذع نخيلكُم"

ص77

"وحتى النخيلٌ استعار من أَضلعي حسرةً"

ص70

(5)

لم تحامل فليحة حسن في جعل ذكرياتها ويومياتها واستدعاء شخوص الواقع كإطار مغلق تتقوقع داخله الشاعرة مُتشرنقة حول ذكريات جامدة أو إرهاصات ذاتية مقيدّة وإنما من خلال تجربة (قصائد أمي) نتلمس اداءاً شعرياً منفلتاً من الواقع محللاً له راصداً لا لامه وقد جعلت الشاعرة من تجربتها ذات بعد إنساني يستجيب لفكرة الحب والحنين للأرض واللام والإنسان والذكريات والجنوب وينبذ صور الحرب والموت والرماد

"حين أقول أحبك فعلاً

هذا يعني

من قصيدة شهقة

إني ما عاد بإمكاني

أن أحيا خالية منك

ص27

وانكِ ما بين القلب وبيني"

"جفِتّ أصوات الكلمات

إذ كان يراها

من قصيدة لقاء ولكن

وهي تلملم أشلاءهُ

من فوق تراب الساتر،

خيوط(البيرية)

ص55

وجلد البسطال"

(6)

إن المزاوجة بين قصيدة النثر والشعر العمودي والشعر الشعبي خاصةً الأبوذية التي اتصف بها جنوب العراق لما لها من تأثير حسي انفعالي يختصر الحالة الانفعالية ويراكمها في حشد صوري بصري دافق بالمشاعر وتعود الدلالات وكثير من الشعراء عمل على إدخال الألفاظ العامية أو قام بتفصيح بعض الشعر الشعبي من أمثال مظفر النواب ويوسف الصائغ في قوله

"صاموت

لا موت

تحكي تموت

ومن قبلهم استخدم السياب العبارات العامية في بعض قصائده (المومس العمياء) وهي علامة جيدة إذا ما جاءت منسجمة مع اللغة ومتفقة مع لهجة الشاعر المحلية وبُعده الاجتماعي وعمقه الجماهيري لكي تكون مكتنزة بواقعيتها، أما فليحة حسن في (قصائد أمي) فمرة تجعل من هذه القصائد الابوذية مثلاً مدخلاً نفسياً مهيمناً لأكتناز الرؤية بعمق المأساة،تقول :

"هي هم دورة فلك وأخر زماني أحب ونحب"

ص41

لتسترسل في إجابة وجدانية بلسان راوية أحداث الرؤية شعرياً من خلال هيمنة

صوت الشاعرة المخبر العليم متأثرة بالسرد تقول :

"وكانت تتهادى في غابات التيه

وحيدة

خالية إلا من قلب

سيدتي أَستميحك حباً؟

فأجابته:

ما آن لك أن تصلب"

*كاتب سوري


العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس

تكست - العدد السادس:نصر حامد أبو زيد -حياة مكشوفة وموت غامض


نصر حامد أبو زيد

حياة مكشوفة وموت غامض

د .عقيل عبد الحسين

في إطار الثنائيات الكثيرة التي يقوم عليها العالم وتقدم من خلالها المعاني والقيم تأتي ثنائية الحياة المكشوفة والموت الغامض التي تنتهي بها سيرة رجل عرف بالحيوية الفكرية وبإثارة الجدل والخلاف، رجل اسمه نصر حامد أبو زيد تعرض إلى التكفير والى حكم بالتفريق بينه وبين زوجته والفت كتب في الرد على أرائه وكتبه واختار أن يعيش بسبب ذلك كله في هولندا.. وآخر ما تعرض له كان منعه من زيارة الكويت لإلقاء مجموعة من المحاضرات بدعوة من مؤسسة كويتية. وما أثاره ذلك من جدل داخل الكويت بدأ بين المثقفين والإسلاميين وكاد أن ينتهي إلى البرلمان. وهو أمر لم يكرهه أبو زيد بل رأى فيه عودة إلى الحياة التي يحبها. الحياة الصاخبة التي يحركها البوح المستمر بالرأي والموقف في اشد القضايا خطورة مثل قضايا الخطاب الإسلامي وقضية النص القرآني والشخصيات الإسلامية..

1

يرى نصر حامد أن أكثر التحديات التي تواجه كل الخطابات هو تحدي دخول المستقبل وتفادي لحظة الخروج من التاريخ. والخطاب ينمو ويزدهر ويتطور ويتأثر بالخطابات الأخرى السائدة على اختلافاتها وخاصة تلك التي تصل إلى حد المغايرة فلا يوجد خطاب تنويري حديث إلا "وتأثرت أدواته المنهجية كما تأثر جهازه المفاهيمي ومفاهيمه التحليلية بأدوات واليات خصمه"(1).


يتبنى حامد أبو زيد الخطاب التنويري ويراه خطابا قادرا على طرح المشكلات الملحة التي تواجه المجتمعات العربية والتصدي لها بالتحليل وتقديم الحلول لها فهو خطاب مواجهة وخطاب استفزاز وخطاب كشف وتقويم وهو خطاب عصري ينصهر في العصر الذي نعيش فيه ويريد مواكبته وهو خطاب مستقبلي خلافا للخطاب المغاير أو النقيض الذي يرى في الإسلام حلا ويرى العودة إلى الماضي والى العصور الأولى الذهبية منجاة وملاذا في مواجهة الآخر وكفره وماديته.


ومن الواضح ان الخطابين أو الطريقتين اللتين يتبناهما التنويريون ونصر حامد منهم والإسلاميون عامة مختلفتان إلى حد التناقض ومن الطبيعي أن يمارس الخطاب الثاني اشد أنواع القمع مع الخطاب الذي لا يتماهى مع سلطته ومنطلقاتها الايديوليجية. القمع الذي تمثل بالوقوف ضد نصر حامد ابو زيد ومحاكمته وتفريقه عن زوجته في قضية حسبة مشهورة واضطراره إلى اللجوء إلى هولندا إبقاء على حياته.



إن وعي نصر حامد أبو زيد بتأثير اختلاف خطاب الإسلاميين، وهو وعي متأت من تجارب سابقة لكتاب آخرين كعلي عبد الرازق وطه حسين، هو الذي قاده إلى تعميق اثر الخطاب الإسلامي وقمعه للوصول إلى الحياة الواضحة التي يعرفها الجميع ويعرف صاحبها سواء كانوا من المثقفين التنويريين أم من الإسلاميين أم من الناس العاديين.. فالجميع يعرف قصة أبو زيد الشخصية ويلم بأطراف من طروحاته العلمية الخاصة بتاريخية النص القرآني وبإمكانية الاستفادة من تأويله الذي يتجدد ويصبح وسيلة من وسائل التطوير والتحديث والمعاصرة خلافا لما يعتقده الإسلاميون ويدافعون عنه من قدسية النص القرآني وتعاليه عن التأويل ليكون ذلك داعيا للرجوع إلى الماضي وللعيش في عصر السلف وتكفير الآخرين ومحاربتهم وإجبارهم على أن يدخلوا المجتمع الإسلامي متحررين من جاهليتهم.



يعرف معظم الناس تفاصيل حياة نصر حامد أبي زيد الشخصية وبعض طروحاته العلمية شانه شان أي نجم تلفزيوني تستضيفه القنوات التلفزيونية ويتابعه قسم من الناس، وكل ذلك يعده نصر حامد انتصارا له حول انتصار خصومه إلى انتصار أشبه بالهزيمة "فالضحية التي تستسلم وتتراجع تبدو أقوى منهم". وهي اقوى منهم بوعيها بان جهرها بآرائها يجعلها أكثر انتشارا وتأثيرا ومقروئية ومشاهدة. ولذا يتمسك نصر بآرائه ولا يتراجع عنها رغم محاولات خصومه في ثنيه عنها كما فعل محمد عمارة المفكر الإسلامي المحسوب على المعتدلين وكان يحاول أن يقنعه بضرورة العودة عن آرائه الجريئة والتبرؤ منها ليضمن له العودة إلى حياته السابقة "هذا هو التفسير المعقول لحرص الإسلاميين على تفاوت اتجاهاتهم على أن ينالوا انتصارا بتراجعي عن اجتهاداتي"(2)

2

في كتاب نصر حامد ابو زيد هكذا تكلم ابن عربي يقول: "إن من الصعب على المسلم أن يفصل في خبرته الدينية بين التجربة الروحية وبين الأسس العقلانية التي تتبلور في وعيه تدريجيا عن عقيدته ودينه"(3). فالأسس العقلانية التي جعلت نصر حامد أبو زيد ما هو عليه وحددت ملامح حياته الصاخبة المكشوفة للجميع وجعلته نجما ومثقفا ومفكرا معروفا لا يمكن أن تلتقي مع التجربة الروحية التي تأتي من المجتمع الذي نشأ فيه ومن نسيج الحياة الدينية اليومية في القرية المصرية ومن الأسرة الريفية المتواضعة ومن كونه واحدا من الناس الذين اختلف عنهم وتميز وبرز بأسس عقلانية قد اختلفوا معه فيها ورفضوه من اجلها وعرفوه بها.. وأية خبرة دينية!! إنها الخبرة الآتية من قصص الأنبياء وكرامات الأولياء وأحاديث الصالحين من أسلاف القرية والقرى المجاورة من حفظ القران والتردد على المساجد لإقامة الصلاة ومن حلقات الذكر بعد صلاة العشاء كل يوم خميس ليلة الجمعة وهي التي يطلق عليها الحضرات حيث ينتظم الكبار في شكل دائرة ويتحركون حركات موقعة ذات اليمين وذات الشمال مع ترديد الأناشيد بقيادة شيخ الحضرة. لقد ظلت تلك الخبرة كامنة وموجهة له رغم ان الحياة أخذته مآخذ شتى وسلكت به طرقا عديدة راسمة له نهاية تشبه نهاية عم حسن المتصوف وصديق حامد والده الذي قرر الإفصاح والبوح، تماما كما فعل نصر بعد ذلك اللقاء ظنا منه أن ذلك البوح سيقوده إلى النجاح والى المجد العلمي والى الشهرة.. قال العم حسن لنصر حامد أبو زيد انه سر لا استطيع احتماله أكثر من ذلك اعلم أنني سأعاقب لإفشاء السر لكنني لا احتمل الكتمان... كانت دموع صامتة قد بدأت تسيل من عينيه... ثم استجمع قوته وانفجر قائلا: يا نصر يا ولدي لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. وأجهش في بكاء... لكنه لم يتوقف عن الحكي ونشيجه يتصاعد رايته والله العظيم. فقلت له احبك يا رسول الله. فرد علي: وانأ احبك يا حسن. لم ادر ما أقول سوى أن أتمتم ببعض عبارات لا معنى . كان الأمر بالنسبة لي غير مفهوم آنذاك.. بدأ يهدأ تدريجيا بعد أن انزاح السر الضاغط السر الذي يمثل إفشاؤه خطرا يترتب عليه العقاب"(4).



يترتب على البوح العقاب ذلك ما ترسب في نفس نصر حامد أبو زيد وما لم يتفق أبدا مع تجربته العقلية بوصفه تجربة روحية عميقة كامنة تهدده بالخطر وتهدده بالنهاية نهاية غامضة تشبه نهاية عم حسن الذي باع قطعة الأرض التي يملك رغم معارضة أبنائه وانصرف إلى الديار المقدسة. فقد انتهى نصر حامد غريبا بعد إصابته بفيروس غريب لم يعرفه الأطباء ولم يحددوا له علاجا افقده الذاكرة ثم الوعي، الذاكرة التي كانت تختزن طروحاته المتعلقة بالخطاب الإسلامي والإسلام السياسي ووعيه الذي كان يحدد خطابه ويوجهه مقاوما للقمع الذي كان يمارسه الخطاب الإسلامي مستفيدا من ذلك القمع وتلك المواجهة في رسم ملامح حياة واضحة مكشوفة قائمة على البوح بما يرى ويعتنق من أفكار تثير الآخرين وتمس آراءهم ومواقفهم الراسخة التي تخدم السلطة وتعمق حالة التأخر الذي يعيشه المجتمع العربي والذي تنتفع به النخب المتسلطة والحاكمة والمستفيدة من دوام الحال على ما هو عليه.

3

سيجر البوح إلى نهاية حتمية لنصر هي الموت بيد الإسلاميين أو صمتا بعيدا عن بلده الصمت الذي رأى في حادثة منعه من دخول الكويت كسرا له. وهو عقاب رمزي لم يتوقع احد أن يصل إلى درجة عالية من الرمزية تمثل بهذا الفيروس الغريب الذي افقده الوعي والذاكرة وجعل خصومه يشمتون به ويرونه عقوبة إلهية نزلت به جزاء على أفكاره وأرائه. فيما هي نهاية ممكنة لذلك التناقض الحاد بين الخبرة العقلية ممثلة باتجاهه نحو البوح، والخبرة الروحية القارة في داخله والتي تجعله يتوقع دائما العقاب الذي جاء ليضع نهاية لسيرة أبو زيد السيرة التي قامت على حياة مكشوفة وموت غامض. وهي سيرة تنسجم بشدة مع وعي مجتمعه، المجتمع الذي يؤمن بالغيبيات وبالعقاب لكل من يتجرأ على الدين. سيرة تنسجم مع كون نصر حامد جزءا من هذا المجتمع وممارساته الدينية. كما انها في النهاية سيرة ذات بعد ثقافي تتشابه مع سير الكثير من الخارجين على إجماع مجتمعاتهم بأفكارهم، الداعين إلى التغيير الذين ينتهون إلى العودة إلى الإجماع أو إلى الصمت والموت غموضا.

لكنني أؤكد انها سيرة أكثر رمزية واشد تعبيرا من غيرها من السير وانها تتناسب مع إصرار نصر حامد أبو زيد وعزمه على الاستمرار في البوح.

الهوامش

1. الخطاب والتاويل، د.نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط1/200، 9.

2. السابق،12.

3. هكذا تكلم ابن عربي، د.نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط2/2004، 7.

4. السابق،

د. أكاديمي عراقي



العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

تكست - العدد السادس: قصيدتان للشاعر مجيد الموسوي


قصيدتان

أبيض هو الليل

مجيد الموسوي

أُريد أن أمسك بعصا الشعر

وأقود خرافي في مراعي الزمان

تماماً مثلما يصنع القدّيسون

أو أولئك الذين

تتنزل الملائكة

بغتة ً

على قلوبهم !

. . . . . .

. . .

أَترى

من يرى مثلما أرى :

العالم الذي يستيقظ ُبعدَ سُبات ٍ

لينفضَ الندى عن جفنيه ِ

ويناديني

(أيها الديك البريّ

أيها الطائر الأبدي:). .

هكذا يشرع النهار بالتدّفق

وتخطف الكائنات

نبضاتها الأولى..

وغداً

أو بعد غدٍ

حين ترفع سفينة الزمن

شراعها الأبيض

أقبل حاشية الأرض ِ

من دون ندم ٍ

ومن دون

غلواء !

. . . . . .

. . . .

ودمعة إثر دمعةٍ

ثم تشرق الروح بالنحيب !

وهنالك يُسلمني – الأبيض الغامض ُ

الأبيض الدفـّاق

الأبيض ألغابي

الأبيض الشاسع

الأبيض الصقيل

ويتمدد بي إلى ما لا نهاية

مرتبكاً ومشوشاً ومترفقاً .

إلى فيافيهِ السماوية . . .

. . . . . . . . . .

. . . . .

لينبئني

بيضاء هي الورقات

وأبيض هو الليل

وكذلك أبيض

هو الكفن ! . . .

وأخيراً

يحملُ الليل بقاياي:

قميصاً دون أزرار

وزهراً يشبه ألليلك

زهراً يقطر الثلج

وزهراً يقطر الدمع

وزهراً يقطر

الخوف !

أَخيراً

يحمل النعش

إلى المثوى

بعيداً. . . . . !





من النافذة: صباحاُ



ثلة ٌ من زرازير مهاجرة

وطائر الشقرّاق

ينوح

أو يتناسلُ

بين أغصان شجرة الرمّان

. . . . . . .

. . . . .

وفي خفق أشرعة الشفق الأول

يصيرُ النهار موجة ً

يتأرجّحُ فيها

زورق !

. . . . .

. . . .

زورقك أيّها الشاعرُ المجنون

ينساب بلا دفـّةٍ

في خليج الروح

جانحاً ومغامراً

عارفاً أنَّ النهاية ـ والبداية أيضاً ـ

محض أوهام !

. . . . . . .

. . . . . .

ومن النافذة : صباحاً

وبروح الناسك الأولى

أرقب الكائنات كلها

وهي تخترق روحي : ذاهبة ً آيبة

وأنا أتقلّب على جنبيَّ

كما لو كنت ُ

أولدُ

للتو . . . !



2010

البصرة



من مخطوطة " ما لا يشبه الكلام الأول "

* شاعر عراقي





العـودة للصفحة الرئيسة - العددالسادس